السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
كنت قبل عدة سنوات في إحدى الدورات التدريبية. طلب منا المدرب أن نكتب بشكل عام عن أهم أهدافنا في الحياة. لن تتخيل كم وقفت مندهشاً لهذه الطلب ! لأنني ببساطة قضيت خمسة دقائق أفكر في أهدافي و لم أجد أي هدف ! في هذه اللحظة أدركت أنني تائه!
منذ ذلك اليوم قررت أن أقضي بعض الوقت لكي أحدد أهدافي و أكتب خطتي. أخذت أقرأ كثيراً عن صناعة و كتابة الأهداف و كيف تكتب خطة للوصول إلى هذه الأهداف. و أحب في هذا المقال أن أشارككم ببعض ما تعلمت. و أن ألخصها في النقاط التالية.
1. ارسم صورة المستقبل الذي تريد:
في العادات السبع للأشخاص الأكثر فعالية – لستيفن كوفي- و تحديداً في العادة الثانية قال: “ابدأ مع أخذ الغاية في الحسبان” أو باللغة الإنجليزية “Begin with the End in Mind” و ما تعنيه هذه العادة، هي أن تـُكوِن صُورة واضحة المعالم عن المستقبل الذي تريد. و عند الحديث عن المستقبل هنا، نحن نتكلم عن مستقبل سيتحقق بعد 15 أو 20 عام. فتحت هذا المستقبل ستندرج الأحلام التي سنسعى لتحقيقها بتحديد أهدافنا و كتابة و تنفيذ الخطة المرسومة لها. و لكن يجب التنبيه هنا، لابد من رسم مستقبل عظيم مزدهر يليق بالمدة الزمنية التي سنقضيها في تحقيقه.
2. تعرف على نفسك:
ربما يكون طلبي غريب بعض الشيء. و لكن صدقني أن كثير من الناس لا يعرف من هو، بدليل أن كثير من الناس لا يستطيع أن يتكلم عن نفسه أكثر من دقيقتين. فكلنا محتاج أن يجلس مع نفسه جلسة صفاء و يناقشها و يتعرف عليها أكثر.
بعد ذلك، حدد نقاط ضعفك و قوتك بدقة، قم بتحليل حياتك و الفرص المتاحة لك، بالإضافة إلى الأشياء التي تمثل تهديداً بالنسبة إليك أو حتى مخاوف. إذا أتممت هذه المهمة، فقد قمت بعمل ما يعرف بالـ SWOT Analysis أو تحليل سوات. و كلمة SWOT مأخوذة من الكلمات الإنجليزية Strengths,Weaknesses, Opportunities, Threats وهي نقاط القوة و نقاط الضعف و الفرص و التهديدات. فتحليل سوات، سيعطيك مرجع عام عن نفسك.
3. كن دقيق في وصف أهدافك:
حلم تسعى لتحقيقه بعد 15 أو 20 عام هو حلم جدير بالاحترام. و لكن في مدة زمنية طويلة كهذه سيصيبنا الملل و الفتور غالباً بل ربما العجز. لذلك، قم بتحديد أهداف قصيرة المدى و التي يجب أن تخدم الحلم الذي وضعته لنفسك. هذه الأهداف سيتكون أهداف ستتحقق على مدى عام واحد و أخرى تتحقق على مدى خمسة أعوام. و تحقيق هذه الأهداف ستكون خطوات لتحقيق الحلم الرئيسي.
قم بتقسيم أهدافك إلى ستة أقسام و كل قسم سيحتوي على أهداف نحققها خلال هذه العام و أخرى نحققها خلال الخمسة أعوام القادمة. و الأقسام هي كالتالي:
- أهداف وظيفية: و هي أهداف تحددها على المستوى الوظيفي و سواء كانت وظيفة حكومية أو قطاع خاص أو حتى نشاط خاص بك. و إن كنت أشجع أن يكون الهدف هو التوظيف الذاتي، أي أنك تملك المكان الذي تعمل به.
- أهداف تعليمية: هنا تقوم بوضع أهداف لتعلم بعض المهارات أو الحصول على شهادة معينة. فبعض الوظائف تتطلب مستوى تعليمي معين أو شهادة معينة مثل MBA. و من الممكن أن تكون الأهداف تعلم بعض المهارات التي تحتاجها مثل مهارات التواصل أو فن الإقناع أو الخطابة و ما إلى ذلك و من الممكن أن تكون دورات تخصصية مثل دورات في الحاسب الآلي أو المحاسبة أو الإدارة. و من شأن هذه الأهداف التعليمية مساعدتك في تحقيق أهدافك الوظيفية و الوصول إلى الحلم الذي تريد.
- أهداف مالية: المال بحد ذاته ليس هدف أو حلم، و لكن المال وسيله للرفاهية و تحقيق الأهداف و الأحلام. لذلك لا تستطيع إهمال الجانب المالي من الأهداف و لابد لك من تحديد أهدافك المالية و التي سوف تختلف بالاختلاف الحلم الذي تريد. حتى أن بعض الأهداف تعتمد اعتماد وثيق بالأهداف المالية، حيث أن بناء منظومة خاصة بك أو الحصول على شهادات و دوارات سيتطلب مستوى مادي معين. لذلك قم بتحديد أهدافك المالية بشكل وثيق مع أهدافك الأخرى.
- أهداف صحية: لن تستطيع التنعم بالحلم الذي تريد و الاستمتاع به و أنت في حالة صحية سيئة، لذلك لابد لك من أهداف صحية و خطة رياضية تضمن لك بعد الله مستوى صحي يتيح لك الاستمتاع بحلمك و عدم إضاعة 20 سنة من حياتك سدى.
- أهداف دينية: نحن كمسلمين، لا نستطيع أن نخطط لحياتنا بمنأى عن الدين. فالقصد من خلقنا في الأساس عبادة الله سبحانه و تعالى ((وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)). فلابد لنا من تحديد أهداف دينية تسمح لنا بتحقيق أهدافنا مع عدم إضاعتنا للدين.
- أهداف سلوكية: سلوكك يحدد من أنت. لابد لك من تحديد أهداف تحسن و تطور بها سلوكك و التي من شأنها مساعدتك في تحقيق حلمك. فحلمك الذي رسمته لا تستطيع تحقيقه لوحدك. أنت فرد تعمل ضمن منظومة من الأشخاص فأنت تتعامل مع زملاء و رؤساء و مرؤوسين و زوجة و أبناء و أصدقاء. فلابد لك من بناء علاقات جيدة مع جميع من حولك و الذين لهم تأثير سلبي أو إيجابي في تحقيق حلمك.
يجدر التنبيه هنا، أن جميع هذه الأهداف مكملة لبعضها البعض و أنها مجتمعة تبني منظومة تسمح لنا بالوصول إلى الحلم الذي رسمناه. و هناك معايير اسمها سمارت (SMART) لتحديد أهدافك بدقة و هي ببساطة أن كل هدف لابد أن يكون:
- محدد (Specific): فجميع الأهداف لابد أن تكون محددة و ليست عامة. مثلاً لا نستطيع القول أن الهدف المالي هو أن أكون (غني) فقط. و لكن لابد من تحديد معنى الغنى، مثلاً أن أملك منزل أو أن أحصل على 10 مليون ريال و ما إلى ذلك. و هذا ينطبق على جميع الأهداف.
- قابل للقياس (Measurable): فالأهداف لابد أن تكون قابلة للقياس لكي أحدد هل وصلت إلى الهدف أم لا. فلا أقول أن هدفي الصحي هو أن أخفف من وزني مثلاً، فلا بد أن يكون محدد بعدد معين من الكيلوغرامات و بالتالي قابل للقياس. فأقول أريد أن أخسر 5 كيلوغرامات مثلاً.
- يمكن بلوغه (Attainable): فعند تحديد أهداف صعبة المنال سيتسلل إليك اليأس بل ربما تكون الأهداف مستحيلة البلوغ. و لكن في المقابل لا تضع أهدافاً سهلة البلوغ فلن يصبح لها قيمة.
- ذو صلة (Relevant): هدفك لابد أن يكون ذو صلة بحلمك الذي تريد. فعندما لا يكون هناك صلة، فأنت ببساطة تضيع وقتك.
- محدد بزمن (Time-bound): تأكد بأن كل هدف تقوم بوضعه مرتبط بحد زمني. فالإنسان ميال إلى إنجاز الأمور في آخر لحظة و هو ما يعرف بالـ Student Syndrome أو متلازمة الطالب. لذلك احرص على تحديد كل هدف بجدول زمني تستطيع قياسه و يحفزك للإنجاز قبل انتهاء المهلة.
و يجدر هنا إعادة القول، أن جميع هذه الأهداف بمختلف تصنيفاتها لابد أن تكون مكملة لبعضها البعض للوصول إلى الهدف الأسمى و هو الحلم. فكل تصنيف بحد ذاته و كل هدف مستقل لا يستطيع الوصول بك إلى الحلم وحدة.
4. كيف ستحقق الأهداف:
إلى قبل هذه المرحلة، أنت تعرف من أنت و تعرف بالضبط ماذا تريد. فأهدافك واضحة، محددة و مكتوبة. و لكن هذا وحده لا يكفي! فالمرحلة الحالية هي كتابة الخطة التي ستساعدك على تحقيق الأهداف. فإلى قبل هذه المرحلة حددنا ماذا نريد What و الآن سنحدد الكيف How. فكل دقيقة تقضيها في التخطيط، ستوفر عليك سنوات من التنفيذ.
أنت مختلف عن الآخرين: كيفية الوصول إلى الأهداف تختلف من شخص لآخر، فنقاط قوتك و ضعفك مختلفة عن الآخرين و كذلك الفرص المتاحة لك و التهديدات. لذلك من الحري هنا الرجوع إلى ما قمنا بعمله سابقاً (تحليل سوات أو SWOT Analysis) و التي من شأنها إيضاح معالم الخطة التي سنقوم بعملها.
حدد أولوياتك: فلا تستطيع العمل على جميع الأهداف في نفس الوقت. فتحديد أولوياتك سيساعد على العمل عليها حسب الأهمية لكي لا يضيع وقتك بين عمل كل شيء.
فرق تسد: هناك مبدأ مشهور في حل المشكلات و هو (فرق تسد أو Divide and Conquer). فتقسيم المشاكل الكبيرة إلى مجموعة أصغر تساعدك في التعامل مع المشكلات الصغيرة بسهولة و حلها و التي من شأنها حل المشكلة الأكبر في النهاية. و في الأهداف الذي قمنا بكتابتها سنستخدم نفس المبدأ. قم الآن بتقسيم كل هدف إلى أهداف أصغر يسهل عليك تحقيقها و في النهاية ستوصلك إلى الهدف الأكبر. فعلى سبيل المثال، لو كان الهدف التعليمي هو الحصول على شهادة الدكتوراه. سيكون هدفي الأول هو الحصول على شهادة البكالوريوس بتقدير ممتاز حتى يتسنى لي أن أقبل في برنامج الماجستير. و الهدف الثاني هو الحصول على شهادة الماجستير بتقدير ممتاز حتى يتسنى لي القبول في الدكتوراه و أخيراً هو القبول في برنامج دكتوراه و الحصول على شهادتها. و هذا ينطبق على أي هدف. فالتدرج للوصول للأهداف يخلصنا من الممل و يشعرنا بالإنجاز و التحدي حتى الوصول إلى الحلم الأصل.
كن متفائل: تأكد من أن تكون عباراتك التي اخترتها لتحديد أهدافك و خططك هي عبارات إيجابية. فبدل أن يكون الهدف هو “عدم عيش حياة زوجية تعيسة“، قم بإعادة العبارة إلى “الحصول على حياة زوجية سعيدة“.
تابع تقدمك: احرص على وضع موعد شهري أو ربع سنوي لمراقبة أداءك في تحقيق الأهداف مقارنة بالجدول الزمني الذي حددته. تعرف على تقدمك في الإنجاز و كافئ نفسك على ذلك و تعرف أيضاً على سبب تأخرك في إنجاز أهداف أخرى. كن صريح مع نفسك و حاول أن تتعلم من أخطائك.
أهدافي تغيرت: شيء طبيعي أن تتغير أهدافنا بشكل أو بآخر عن ما قمنا برسمه. فالتغييرات من حولنا تفرض علينا تغيير هذه الأهداف أو إعادة صياغتها أو تحديد جدول زمني جديد لها. لا أتصور أن تختلف الأهداف بشكل كبير مع الوقت و لكن تستطيع دوما تهذيب هذه الأهداف (Fine-tune) حسب الزمان و المكان الذي تعيشه.
و في النهاية أنا حاضر لأي استفسار و أسئل الله أن أكون وفقت في كتابة هذا الموضوع أو يستفيد منه الجميع.